طالعت القرار الاتهامي الذي رفعت المحكمة الخاصة بلبنان السرية عن أجزاء منه، ولن أتحدث هنا عن قضية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، بل سأركز على مجرمين لا يزالون بعيدين عن العدالة، وهنا أعني من يمارسون الفساد.
من تابع الأداء المهني العالي في القرار الاتهامي، وحجم الجهد المبذول سيكتشف أن قضايا الفساد لدينا تحتاج إلى جهود مماثلة، فالفساد لدينا مكون من شبكات لا تختلف عن تلك التي اغتالت الحريري، فكلتا الجريمتين تطولان أمن الدول، وملاحقة الفساد والفاسدين لدينا لا تقل أهمية عن ملاحقة قتلة الحريري، فهؤلاء سوس ينخر في بنيان الوطن، ما يغتلونه من أموال من الصعب حصره، لكنه في النهاية يظل مالا عاما، وجد ليصرف في الشأن العام، وليس ليكون سداحا مداحا للناهبين، وما أشارت إليه الجهات الرقابية في الأيام الماضية عن تراجع الفساد ما لم يصاغ في تقرير مهني واف، فسيظل أقوالا.
المحكمة الخاصة بلبنان قدمت هذا المجهود على الرغم من العراقيل التي وضعتها دول وأحزاب سياسية في داخل لبنان وخارجه، فيما نحن في حالة حرب معلنة مع الفساد والفاسدين، ومع ذلك لم نطلع على قرار اتهامي واحد، وكأن المواطن غير معني بالفساد، فلا نسمع إلا أن هناك شخصا دون تحديد الاسم يعمل في المكان الفلاني حكم عليه بكذا؛ لأنه أدين في قضية فساد من نوع كذا، فيما هناك قضايا لا يعرف المواطن ما تم فيها، ظهرت على السطح وتناولتها الصحافة، ثم اختفت فجأة وكأن عفريتا من الجن أخفاها!. للحرب على الفساد أولوية لدى الدولة والمواطن، ويجب أن يرتقي الجهد المبذول فيها إلى هذه الأولوية، مع ملاحظة أن عدد القتلى في جريمة اغتيال الحريري 21 شخصا، فيما في كارثة جدة الأولى القتلى 123 شخصا، 350 مصابا، 7821 أسرة شردت، 9294 عقارا سكنيا متضررا، 25 ألف سيارة تالفة، والقائمة طويلة، وهذا في قضية واحدة فقط.
كتب: منيف الصفوقي