أرجوا إيضاح الحكم الشرعي في هذه المسألة؛ ما هو الدليل على أن المرأة الحائض لا يجوز لها الصيام؟ وجزاكم الله خيرًا.
الـجـــوابلا يجوز للحائض الصيام سواء كان ذلك في
شهر رمضان أو غيره، بل الواجب في حقها هو الإفطار وتثاب على إفطارها مثلما تثاب على صيامها في حالة عدم الحيض. والقرآن كلام الله المعجز الذي أنزل على قلب سيدنا ومولانا محمد –صلى الله عليه وآله وسلم- ليبين للناس ما نزل إليهم، قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ٤٤]، وقال الله تعالى: { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: ٦٤].
والسنة النبوية الشريفة وحي من الله تعالى لرسوله –صلى الله عليه وسلم- الذي لا يرتب حكما شرعيا من تلقاء نفسه، وإنما بأمر من الله تعالى، فهو لا ينطق عن هواه –صلى الله عليه وآله وسلم- قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣، ٤].
ومن هذا المنطلق فإنه قد جاءت أحكام بينها رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- ونقلت عنه نقلًا صحيحًا ودونها العلماء في كتبهم، وقد جاء فيها إجماع من السلف والخلف، ومن هذه الأحكام الشرعية المرعية: أحكام الحائض؛ ومن أحكام الحائض المجمع عليها سلفًا وخلفًا، أنها لا تصوم إذا نزل عليها دم الحيض، بل يجب عليها أن تفطر ثم تقضي ما عليها من أيام لم تصمها في حيضتها، وهذا التشريع النبوي لا شك ولا ريب أن فيه رحمة بالمرأة حيث أنها تعتريها في حيضتها اضطرابات وتقلصات، وربما صاحب نزول الحيض اضطرابات نفسية كما هو مبين عند أهل الطب، فالشرع الشريف خفف عنها فأوجب عليها الفطر في نهار رمضان وهذا من بعض الحكم لا من علل الحكم، فحتى لو لم تكشف لنا الحكمة من وجوب فطرها، فالمسلم يسلم ويذعن لأحكام الشرع الشريف سواء عرف الحكمة أولم يعرفها، وخاصة إذا كان هذا الحكم هو حكم الله –تعالى- الموحى به لرسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-الذي لا يشرع من عنديات نفسه بل هو عن وحي .
فوجوب فطر الحائض وامتناعها عن الصلاة دلت عليه
السنة النبوية الشريفة، دلالة صريحة على منع الحائض من الصوم والصلاة كما في قوله -صلى الله عليه وسلم- عن نقصان دين المرأة: ((أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم، قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها)) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
وعَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- قَالَتْ: كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ نَطْهُرُ، ((فَيَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصِّيَامِ، وَلَا يَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ)): أخرجه الإمام الترمذي في سننه، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاذَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا «وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافًا، أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ».
فقد نقل الإمام الترمذي أن جميع العلماء لا خلاف بينهم أن الحائض تفطر وتقضي الصوم، بخلاف
الصلاة فلا تقضيها.
فقد أجمع الأمة سلفاً وخلفاً على أن الحائض والنفساء لا تصومان وأنه لا يصح منهما الصيام لو صامتا.
فقد قال الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (٢٢/ ١٠٧، ط/ وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب): [ وَهَذَا إِجْمَاعٌ أَنَّ الْحَائِضَ لَا تَصُومُ فِي أَيَّامِ حَيْضَتِهَا وَتَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ لَا خِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَمَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فَهُوَ الْحَقُّ وَالْخَبَرُ الْقَاطِعُ لِلْعُذْرِ وَقَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نوله ماتولى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} وَالْمُؤْمِنُونَ هُنَا الْإِجْمَاعُ ]
ونقل الإجماع الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في "المجموع شرح المهذب (٢/ ٣٥٤، ط/ دار الفكر) فقال: [فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا كَمَا قَدَّمْنَا نَقْلَهُ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ وَكَذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ غَيْرُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَكَوْنُ الصَّوْمِ لَا يَصِحُّ مِنْهَا لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ فَإِنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مَشْرُوطَةً فِيهَا وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَلَيْهَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ].
ويقول الإمام ابن قدامة الحنبلي في كتابه "المغني" (٣/ ١٥٢): [أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لَا يَحِلُّ لَهُمَا الصَّوْمُ، وَأَنَّهُمَا يُفْطِرَانِ رَمَضَانَ، وَيَقْضِيَانِ، وَأَنَّهُمَا إذَا صَامَتَا لَمْ يُجْزِئْهُمَا الصَّوْمُ، وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ: «كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالْأَمْرُ إنَّمَا هُوَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَيْسَ إحْدَاكُنَّ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ، فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ دَمَ النِّفَاسِ هُوَ دَمُ الْحَيْضِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُهُ. وَمَتَى وُجِدَ الْحَيْضُ فِي جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ فَسَدَ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، سَوَاءٌ وُجِدَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ، وَمَتَى نَوَتْ الْحَائِضُ الصَّوْمَ، وَأَمْسَكَتْ، مَعَ عِلْمِهَا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ، أَتَمَّتْ، وَلَمْ يُجْزِئْهَا]
وأما استدلال من شذ عن منهج العلم، بأن حديث عائشة -رضي الله عنها-: (( .. نؤمر بقضاء الصوم)) أن القضاء هنا معناه أداء الصوم حال نزول دم الحيض على المرأة، كما يدل معنى قوله تعالى {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [النساء: ١٠٣] أن معنة (قضيتم) هنا معنها أديتم.
لأن معنى قولها: (نؤمر بقضاء الصوم) أي يفعل الصوم بعد الطهر، وليس معناه نؤمر بأداء الصوم حال الحيض! ويبين هذا المعنى رواية النسائي والترمذي وابن ماجه للحديث: ( ... كنا نحيض على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم نطهر فيأمرنا بقضاء الصوم) .
وننبه: أن الحائض إذا حاضت وأفطرت في رمضان وقضت هذه الأيام فلها الثواب والأجر كاملا كمن صامت في رمضان، لا ينقص من أجرها شيء، والله أعلم
المصدر: دار الإفتاء المصرية