ألحق بنا أشقائنا وأبنائهم وأعمامنا بالغ الأذى وأذاقونا ألواناً من الظلم؛ وتعمدوا الكذب لتشويه صورتنا أمام الناس؛ رغم علمهم بالحقائق. ولا نطّلع على نواياهم، لكنهم مازالوا يضمرون لنا فى نفوسهم الأحقاد، وتدل كافة الشواهد على أننا لن نسلم من أذاهم إن فتحنا لهم بابنا مرة أخرى. خاصة أنهم إعتادوا أن يجوروا علينا و نسامحهم، فيوسعونا طغياناً وأذى.
سؤالى الآن: ماذا أفعل كي لا أكون قاطعة رحم؟
علماً بأن قلبي لا يطمئن لهم، ولا يغفر ما فعلوا، و اثق تماماً أن فتح بابهم لن يزيدني إلا مذلة و مهانة.الـجـــوابنقول لمن كانت بينه وبين قريبه خصومة:
الأصل أنه لا يجوز هجر المسلم لأخيه المسلم، أو أي من ذوي الرحم، فعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((
لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان: فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
ويمكنك الاقتصار في التعامل مع هؤلاء الأقارب بما لا يؤدي إلى الأذى والعداوة والبغضاء، فالهجر المقصود هنا هو الذي يكون عن خصام وإعراض، وليس الهجر معناه مجرد ترك الكلام، فقد لا يكلم المرء أخاه لشهور، ولا يعد هجرا ما دام أنه لم يكن عن خصومة وإعراض.
- قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في "شرحه على صحيح مسلم" (١٦/ ١١٧، ط/ دار إحياء التراث العربي): [قَالَ الْعُلَمَاءُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ الْهَجْرِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ وَإِبَاحَتُهَا فِي الثَّلَاثِ، الْأَوَّل بِنَصِّ الْحَدِيثِ وَالثَّانِي بِمَفْهُومِهِ، قَالُوا: وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْهَا فِي الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَجْبُولٌ عَلَى الْغَضَبِ وَسُوءِ الْخُلُقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَعُفِيَ عَنِ الْهِجْرَةِ فِي الثَّلَاثَةِ لِيَذْهَبَ ذَلِكَ الْعَارِضُ، وَقِيلَ إِنَّ الْحَدِيثَ لَا يَقْتَضِي إِبَاحَةَ الْهِجْرَةِ فِي الثَّلَاثَةِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ لَا يُحْتَجُّ بِالْمَفْهُومِ وَدَلِيلِ الْخِطَابِ]. فإذا كان هناك أسباب تستدعي الإعراض والهجر ينبغي أن يكون ذلك بالأخلاق الحسنة والصفح الجميل، فقد أرشد ربنا عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يهجر المشركين، ولكن أرشده أن يكون هجرا جميلا، فقال سبحانه وتعالى: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: ١٠]، وأرشدنا أيضا أننا يجب علينا أن نتحلى بالأخلاق الحسنة والكلام الطيب مع من أعرضنا عنه فقال: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} [الإسراء: ٢٨]، فهذه أخلاق الإسلام وتعاليمه السامية في التعامل مع الآخرين في حالات الوصل وحالات الهجر.
- وقال الحافظ العراقي -رحمه الله- في "طرح التثريب في شرح التقريب" (٨/ ٩٧، ط/ الطبعة المصرية القديمة): [وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ التَّشْدِيدِ مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ»].
فكما ينبغي على المسلم أن يصل أخاه المسلم في الله، كذلك قد تكون هناك أسباب تستدعي الهجر والإعراض عنه، ويجب أيضا أن يكون ذلك في الله، لا من أجل كبرياء أو تعالي أو هوى نفس أو شحناء وبغضاء، فالوصل في الله ، والهجر في الله أيضا، فهناك حالات تستدعي قطع العلاقة مع شخص ما إذا كان في ذلك حفاظا على الدين والأخلاق، أو كان في التواصل معه ضرر أو أذى، طالما أنه لم يكن هناك عداوة أو شحناء، وقال الحافظ العراقي أيضًا في "طرح التثريب في شرح التقريب" (٨/ ٩٨): [وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ؛ إلَّا أَنْ يَخَافَ مِنْ مُكَالَمَتِهِ وَصِلَتِهِ مَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ دِينَهُ أَوْ يُوَلِّدُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ مَضَرَّةً فِي دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ رُخِّصَ لَهُ فِي مُجَانَبَتِهِ، وَرُبَّ صَرْمٍ جَمِيلٍ خَيْرٌ مِنْ مُخَالَطَةٍ مُؤْذِيَةٍ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: فَأَمَّا هِجْرَانُ الْوَالِدِ الْوَلَدَ وَالزَّوْجِ الزَّوْجَةَ وَمَنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا فَلَا يَضِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَقَدْ «هَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَهُ شَهْرًا»].
- وإذا كان هذا الشخص من أولي الأرحام، فالأولى بك العفو وحسن الصلة به، فصلة الأرحام حثت الشريعة الإسلامية على صونها والحفاظ عليها، قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١]، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَقُولُ: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)) متفق عليه، فلا يجوز قطع الأرحام، وهناك وسائل عديدة لصلة الأرحام، ولكن إذا كان هناك مشكلات تحدث بسبب
صلة الأرحام، فلا يجوز قطعها نهائيًا، ولكن يمكن الاقتصار في صلة الأرحام على السؤال بشكل غير مستمر كإلقاء السلام والتهنئة بالأعياد وفي مختلف المناسبات والمواسم، ولو كان ذلك عن طريق الهاتف، والرسائل الهاتفية.
صلة الرحم الواجبة هم: الآباء والأمهات وإن علو، والأبناء والبنات وإن نزلوا، والإخوة والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وأبناء الأخوة والأخوات وأعمام الأباء وعماتهم، وأخوال الأباء وخالتهم، وعمات الأمهات وأعمامهم، وخالات الأمهات وأخوالهم. فصلة الرحم الواجبة تكون للمحارم.
أما صلة الرحم مستحبة لمن هم دون ذلك الأقرب فالأقرب، وصلة الرحم للقريب الأجنبي تكون بغير مخالفة شرعية، من كشف عورات أو خلوة أو كلام زائد أو خضوع بالقول، ففي حدود الآداب الإسلامية والضوابط الشرعية تصل المرأة أقاربها.والله أعلم.
واطَّلِع أيضًا على:
متى يجوز للزوج أن يأمر زوجته بقطع علاقاتها مع صديقاتها؟المصدر: دار الإفتاء المصرية