المحرر موضوع: لبس الأسود على الميت.. دار الإفتاء توضح الأمر  (زيارة 338 مرات)

مستشار

  • Sr. Member
  • ****
  • مشاركة: 375
    • مشاهدة الملف الشخصي

لبس الأسود على الميت.. دار الإفتاء توضح الأمر

« في: حزيران 02, 2021, 08:16:21 صباحاً »
أعيش في بلدٍ أجنبي، زوجي توفي ، فهل اللبس الأسود في الحداد واجب أو فرض ؟

الـجـــواب

ليس هناك لون مخصوص للثياب التي تلبسها المرأة المحدة، وإنما المعتبر في ذلك هو قصد الزينة وعدمه؛ فما كان بقصد الزينة منع، وما كان بخلافه فلا يمنع، والضابط في الزينة هو العرف -كما مر-، وإذا تقرر ذلك فالأبيض إذا كان من الزينة في عرف بلد السائل فيحرم، وإلا فلا.

والحد في اللغة: الفصل والمنع، وحَدَّت المرأة على زوجها تَحِدُّ وتحُدُّ حِدادًا بالكسر، فهي حادٌّ بغير هاء، وأحدت إحدادًا فهي مُحِدٌّ ومُحِدَّةٌ إذا تركت الزينة لموته. ينظر: "المصباح المنير" للفيومي (ص: ١٢٤، مادة: ح د د، ط. المكتبة العلمية، بيروت).

وشرعًا -كما في "أسنى المطالب في شرح روض الطالب" (٣/ ٤٠٢، ط. دار الكتاب الإسلامي)-: [هو ترك الزينة من المتوفى عنها في عدة الوفاة بالثياب والطيب والحلي وما في معناها] اهـ.

والإحداد مشروعٌ للنساء، ويجب على الزوجة أن تحد على زوجها أربعة أشهرٍ وعشرًا، إلا أن تكون حاملًا، فعدتها تنتهي بوضع الحمل؛ لقوله تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٤]، أما على غيره فيباح لها مدة ثلاثة أيام من غير زيادة، والدليل على ذلك ما جاء في "الصحيحين" أن زينب بنت أبي سلمة رضي الله عنهما دخلت على أم حبيبة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان رضي الله عنه، فدعت أم حبيبة رضي الله عنها بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره، فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله، ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول على المنبر: «لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا».

والممنوع على المرأة الـمحدة بخصوص الثياب: لبس ما يقصد به التزين، ومما نص عليه في ذلك: المصبوغ بالعصفر ونحوه، والعصفر: نبت معروف يستخرج منه صبغ أحمر يصبغ به الحرير ونحوه. ينظر: "المعجم الوسيط" (ص: ٦٠٥، مادة: ع ص ف ر، ط. دار الدعوة).

جاء في "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" للخطيب الشربيني في فقه السادة الشافعية (٤/ ٥٦-٥٧، بـ"حاشية البجيرمي"، ط. دار الفكر): [الإحداد هو (الامتناع من الزينة) في البدن بحلي من ذهب أو بثياب مصبوغة لزينة؛ لحديث أبي داود بإسناد حسن: «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنَ الثِّيَابِ وَلَا الْمُمَشَّقَةَ وَلَا الْحُلِىَّ وَلَا تَخْتَضِبُ وَلَا تَكْتَحِلُ»، والممشقة المصبوغة بالمِشق وهو بكسر الميم: المَغرة بفتحها، ويقال: طين أحمر يشبهها. ويباح لبسٌ غير مصبوغ من قطن وصوف وكتان وإن كان نفيسًا، وحرير إذا لم يحدث فيه زينة، ويباح مصبوغ لا يقصد لزينة كالأسود، وكذا الأزرق والأخضر المشبعان الكدران؛ لأن ذلك لا يقصد للزينة بل لنحو حمل وسخ أو مصيبة، فإن تردد بين الزينة وغيرها كالأخضر والأزرق فإن كان براقا صافي اللون حرم؛ لأنه مستحسن يتزين به، أو كدرًا أو مشبعًا فلا، لأن المشبع من الأخضر والأزرق يقارب الأسود] اهـ.

والضابط فيما يتعلق بالزينة هو العرف؛ قال الشيخ البجيرمي في "حاشيته على الإقناع" معلقًا على كلام العلامة الخطيب السابق: [قوله: (لزينة) أي ما جرت العادة أن تتزين به لتشوف الرجال إليه ولو بحسب عادة قومها أو جنسها] اهـ.

وقريبٌ منه ما ذكره الإمام الرملي الكبير في "حاشيته على أسنى المطالب" (٣/ ٤٠٢، ط. دار الكتاب الإسلامي) عن بعض العلماء؛ حيث قال: [وما أحسن قول الشيخ إبراهيم المروذي في تعليقه آخر الباب: وعقد الباب أن كل ما فيه زينة تشوق الرجال به إلى نفسها تمنع منه] اهـ.

إذن فليس ثمة لون معين من الثياب تمنع المرأة الـمحدة من لبسه إلا ما قصد به التزين شرعًا أو عرفًا. فما كان كذلك يمنع، وما كان بخلافه فلا.

أما بخصوص الثياب البيضاء؛ فلا تمنع المرأة الـمحدة من لبسها إلا من جهة اعتبار العرف أنها ثياب زينة؛ ففي "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" للشيخ الدردير (٢/ ٤٧٨، ط. دار الفكر): [وتلبس -أي: المرأة الـمحدة- البياض كله رقيقه وغليظه. قال في "التوضيح": ومال غير واحد إلى المنع من رقيق البياض، والحق أن المدار في ذلك على العوائد؛ ولذا قال في "الكافي": والصواب أنه لا يجوز لبسها لشيء تتزين به بياضًا كان أو غيره] اهـ.

وفي "شرح المنتهى" للإمام البهوتي الحنبلي (٣/ ٢٠٤، ط. عالم الكتب): [(ولا) تمنع -أي: الـمحدة- من (لبس أبيض ولو حسنًا)] اهـ.

وأما الثياب السوداء فتباح ولو صبغت لا بقصد الزينة -كما تقدم في كلام الشيخ الخطيب الشربيني- وفي "شرح المحلي على منهاج النووي" (٤/ ٥٣، "بحاشيتي قليوبي وعميرة"، ط. دار الفكر، بيروت): [(و) يباح (مصبوغ لا يقصد لزينة) بل لمصيبة، أو احتمال وسخ كالأسود والكحلي لانتفاء الزينة] اهـ.

فإن قصد بها التزين منعت؛ قال الشيخ القليوبي في "الحاشية" معلقًا على قول الشارح: [(كالأسود): إذا لم تكن عادتهم التزين به، وإلا كالأعراب فيحرم] اهـ.

وزاد المالكية: أن الأسود يمنع أيضًا إذا كانت المرأة شديدة البياض فيزيدها جمالًا؛ ففي "الشرح الكبير" للشيخ الدردير (٢/ ٤٧٨، بـ"حاشية الدسوقي"، ط. دار الفكر): [(وتركت المتوفى عنها التزيين بالمصبوغ) من الثياب (ولو) كان (أدكن) بدال مهملة لون فوق الحمرة ودون السواد (إن وجدت غيره) (إلا الأسود) فلا تترك لبسه إلا إذا كانت ناصعة البياض أو كان هو زينة قوم، فيجب تركه] اهـ.

وعليه: يتبين أنه ليس هناك لون مخصوص للثياب التي تلبسها المرأة الـمحدة، وإنما المعتبر في ذلك هو قصد الزينة وعدمه؛ فما كان بقصد الزينة منع، وما كان بخلافه فلا يمنع، والضابط في الزينة هو العرف -كما مر-، وإذا تقرر ذلك فالأبيض إذا كان من الزينة في عرف بلد السائل فيحرم، وإلا فلا.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

المصدر: دار الإفتاء المصرية


وإليكِ هنا: ٥٥ دعاء للميت لتقديم واجب العزاء بأجمل أدعية للمتوفى ومواساة لأهله