لي سؤال: هل يعتبر من توفي بقرحة الفراش من الشهداء؟ بيّنوا لنا الحكم تفصيلا جزاكم الله خيرًا.
الـجـــوابالموت بالمرض من أسباب الشهادة أخرج ابن ماجه والطبراني في الأوسط وأبو يعلى في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظ ابن ماجه هو: ((من مات مريضاً مات شهيداً، ووقي فتنة القبر، وغدي وريح عليه برزقه من الجنة)).
الشهيد في الشرع ثلاثة أنواع:النوع الأول: شهيد الدنيا والآخرة (أو الشهيد في سبيل الله): وهو من مات من المسلمين في قتال الكفار وبسببه، فهو الذي يقتل في قتال مع الكفار مقبلا غير مدبر؛ لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى دون غرض من أغراض الدنيا، قال ابن الأنباري: [سمي الشهيد شهيداً لأن الله وملائكته شهدوا له بالجنة] "لسان العرب" (٣ / ٢٤٢)، وقيل: لأنه يكون شهيدا على الناس بأعمالهم، فهذا هو الشهيد الذي قال الله -تعالى- فيه: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ١٦٩ - ١٧١]، وقال أيضاً: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } [النساء: ٧٤]، وقد ورد في فضل هذا الشهيد عن المقدام بن معدي كرب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ، اليَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ)) أخرجه الترمذي في سننه، وقال: هذا حديث صحيح غريب.
وهذا الشهيد هو المختص في الأحكام الفقهية بعدم التكفين ودفنه في ثيابه، وذهب جمهور العلماء إلى عدم تغسيله وعدم
الصلاة عليه؛ لرفعة منزلته، ويسن دفنه في مصرعه دون نقل.
النوع الثاني: شهيد الآخرة (من له أجر شهيد): وهو من لا يثبت له ما ذكر من خصائص الشهيد، وإنما ينال ثواب الشهيد تكرما من الله، كالمقتول ظلما من غير قتال، وكمن قام لنصح الحاكم الجائر بالكيفية المشروعة فرفض الحاكم نصحه وقتله، وكالميت بداء البطن، أو بالطاعون، أو بالغرق، وكالميت في الغربة، وكطالب العلم إذا مات في طلبه، والنفساء التي تموت في طلقها، ومن قتل بالصائل الذي يعتدي على المال أو العرض، فمن قتله المعتدي الصائل وهو يدافع عن ماله وعرضه ودمه فله أجر الشهيد، فعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: ((مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ)) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي في سننهم، وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، فكل هؤلاء لهم ثواب الشهيد وأجره تكرما من الله وفضلا، ويمكن أن يطلق عليهم شهداء باعتبار الأجر والثواب والإلحاق بالشهيد.
النوع الثالث: شهيد الدنيا فقط: وهو من قتل في قتال مع الكفار، وقد غل في الغنيمة، أو قاتل رياء، أو لغرض من أغراض الدنيا، فهو شهيد لفخر الدنيا ومقصده، وهي شهادة مذمومة، ولا يجوز إطلاق الشهيد عليه بغير قيد الدنيا.
وما زاد على ذلك من الجزم بأن فلانا شهيد عند الله، فهذا ليس بمقدور الناس وليس من سلطتهم، وكذلك إطلاق حكم إجمالي بغير بينة على مجموعة قتلوا هنا وهناك بأنهم شهداء أمر مخالف للإجراءات الشرعية التي تقتضي التثبت والتحقيق، ولا ينبغي للمسلم أن يشغل نفسه بهذا الأمر، وعليه أن ينشغل بما يصلح دينه ودنياه، والله تعالى أعلى وأعلم.
المصدر: دار الإفتاء المصرية