ما حكم نظر رجل أجنبي الي بدن امرأة دون شهوة ومع أمن فتنة؟
الـجـــوابالنظر إلى المرأة الأجنبية عمومًا يختلف باختلاف أحوال أربعة:
الحالة الأولى: نظر الفجأة: وهو غير المقصود من الناظر، والمتفق عليه بين الفقهاء أن نظر الفجأة معفو عنه ولا إثم فيه؛ لحديث جرير بن عبد الله-رضي الله عنه-: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نظرة الفجأة، فأمرني فقال: ((اصرف بصرك)) أخرجه الإمام أحمد، وقوله- صلى الله عليه وسلم- لعلي- رضي الله عنه-: ((لا تتبع النظرة النظرة، فإن الأولى لك وليست لك الآخرة))، أخرجه الإمام أحمد.
الثانية: نظر الضرورة: كنظر الطبيب لإنقاذ حياة إنسان أو لإنقاذ بعض أعضاء بدنه أو للإبقاء على منفعته، ولا خلاف بين العلماء في أن من اضطر للنظر المحرم تعيَّن عليه، ولو كان إلى العورة.
ويُقرب من ذلك نظر الحاجة كنظر الخاطب والقاضي والشاهد، فيجوز للوجه والكفين ولو بشهوة، بل يجوز للشاهد النظر إلى غيرهما ولو بشهوة إذا تعيَّن النظر؛ لأن الحاجة تنزل منزلة الضرورة، فما أجيز للضرورة يباح أيضًا للحاجة إذا تحققت.
الثالثة: نظر الشهوة أو الفتنة: وهو حرام قطعًا باتفاق فقهاء المذاهب الأربعة، واستثني من ذلك نظر الضرورة والحاجة كما مرَّ فيجوز ولو خاف الشهوة.
قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (٥/ ١٢٢، دار الكتب العلمية): [إنما يحل النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منها من غير شهوة فأما عن شهوة فلا يحل لقوله - عليه الصلاة والسلام - «العينان تزنيان» وليس زنا العينين إلا النظر عن شهوة ولأن النظر عن شهوة سبب الوقوع في الحرام فيكون حراما إلا في حالة الضرورة بأن دعي إلى شهادة أو كان حاكما فأراد أن ينظر إليها ليجيز إقرارها عليها فلا بأس أن ينظر إلى وجهها.
وإن كان لو نظر إليها لاشتهى أو كان أكبر رأيه ذلك لأن الحرمات قد يسقط اعتبارها لمكان الضرورة]
راجع كذلك: [العناية ١٠/٢٤، وبدائع الصنائع ٥/١٢٢، وشرح مسلم ٤/٣١، مغني المحتاج ٤/٢٠٨].
الرابعة: نظر الفضول: هو النظر لغير حاجة ملحَّة، مع أمن الفتنة وانتفاء الشهوة، وذلك كمتابعة كلام أو حركة، أو لمجرد التعرف على ملامح المنظور إليها:
١) فإن كان النظر إلى ما ليس بعورة كالوجه والكفين فقد اختلف فيه الفقهاء:
- فيرى الشافعية والحنابلة عدم الجواز: يقول الخطيب الشربيني في "الإقناع": [(نظره) أي الرجل (إلى) بدن امرأة (أجنبية) غير الوجه والكفين ولو غير مشتهاة قصدًا (لغير حاجة فغير جائز) قطعًا وإن أمن الفتنة]
٢) وإن كان النظر إلى العورة، ففقهاء المذاهب الأربعة على تحريم فضول النظر إلى عورة الأجنبية مطلقًا، سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة، وخالفهم في ذلك بعض الإباضية، وبعض الشيعة الإمامية، ونقل هذا عن بعض السلف.
- فيرى جمهور المذاهب الأربعة أن الله تعالى أمر بغض البصر في قوله تعالى في
القرآن الكريم: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: ٣٠]، وغض البصر هو إطباق الجِفن على الجِفن أو صرف النظر وعدم التحديق [روح المعاني ٩/٤٦٨، ط. دار إحياء التراث العربي، والتحرير والتنوير ١٣/٤٠١، ط. دار سحنون]، وسياق الآية يفهم منه أن تلك المبصرات المحظور النظر إليها هي ما يكون من شأنه أن يحرك الشهوة ويدعو إلى عدم حفظ الفرج، ولا يشترط حصول هذا التأثير بالفعل في كل حال، بل يكفي أن يكون المنظور إليه فيه قوة التأثير، وهذا ينطبق على المرأة المتبرجة التي تظهر مفاتنها، حتى ولو ادعى الناظر إليها عدم التأثر، ولو لم يكن تبرج المرأة داعيًا من دواعي الفتنة المفسدة للمجتمع لما أُمرت المرأة بالحجاب، ولا أمر المؤمنون بغض البصر بل يتركوا حتى يعتادوا رؤية العورات دون أن يتأثروا، ولا يقول عاقل بذلك، فثبت بهذا أن المرأة المتبرجة محل لإثارة الفتنة، وأن ما كان كذلك فشأنه أن يدعو الناظر إلى عدم حفظ الفرج، فيحرم تعمد النظر ويجب الغض مطلقًا إلا لضرورة أو حاجة ملحَّة، وقد نقل ابن حجر الإجماع على حرمة النظر بهذه الكيفية للمرأة مطلقًا مؤمنة كانت أو كافرة [فتح الباري ١٩/٣٩٦، ط. دار المعرفة]، والله أعلم.
المصدر: دار الإفتاء المصرية