المحرر موضوع: حكم غسل الأخت عورة أخيها المريض نفسيًا  (زيارة 255 مرات)

إنسان حر

  • Hero Member
  • *****
  • مشاركة: 654
    • مشاهدة الملف الشخصي

حكم غسل الأخت عورة أخيها المريض نفسيًا

« في: حزيران 12, 2021, 02:25:24 مسائاً »
زوجتى لها أخ؛ وهذا الأخ مريض مرض نفسي وحالته متاخرة، أمه ترعاه في بيتها وتقوم على رعايته. هل هناك حرمانية في حالة ان زوجتى تغير له ملابسه أو تقوم على اغتساله أو تظهر عورته عليها.

الـجـــواب
لا حرج فى قيام زوجتك بغسل ملابس أخيها وتغيير ملابسه؛ فهو من فروض الكفاية ويجب على الأقرب فالأقرب رعايته وتمريضه وغير ذلك, فإذا كان الإنسان مريضًا مرضًا يحتاج معه إلى كشف عورته خرج ذلك عن كونه مستطيعًا حفظها، وجاز له كشفها، وجاز أيضًا لمن يقوم بعلاجه وقضاء حاجته النظرُ إليها بقدر ما تقتضيه الضرورة أو الحاجة المنزلة منزلتها, وإليك التفصيل:

الأصل في العورات وجوب الستر؛ سواء عن الكشف أو النظر، فقد حرم الشرع الشريف كشف العورات لغير حاجة؛ كما حرم النظر إليها إلا على الأزواج؛ فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ۞ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ [المؤمنون: ٥-٦]، وقال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [النور: ٣٠].

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".

وقد راعت الشريعة الإسلامية أحوال المكلفين، فجعلت امتثال الأحكام الشرعية منوطًا بالطاقة والوسع، ورفعت الحرج عن أصحاب الأعذار؛ فكل ما تعسر أمره، وشق على المكلف فعله، فقد يسرته الشريعة بالتخفيف فيه، قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦]، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [الأعراف: ٤٢].

وقد استنبط الفقهاء من نصوص الشرع الشريف قواعد فقهية محكمة تنضبط بها الأحكام وتسري على سائر أبواب الفقه؛ منها: أن "المشقة تجلب التيسير"، قال الإمام السيوطي في "الأشباه والنظائر" (ص: ٧٧، ط. دار الكتب العلمية): [قال العلماء: يتخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته، واعلم أن أسباب التخفيف في العبادات وغيرها سبعة: السفر، والمرض، والإكراه، والنسيان، والجهل، والعسر وعموم البلوى، والنقص] اهـ مختصرًا.

فالمرض من الأعذار التي جُعلت سببًا للتخفيف والتيسير على العباد؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥].

وقد جعلت الشريعة الإسلامية للمريض أحكامًا خاصة به؛ دفعًا للمشقة عنه، وتيسيرًا عليه؛ كالترخص في الفطر، والتيمم لمن يصيبه من استعمال الماء ضررٌ أو تأخرُ شفاء، وكالصلاة قاعدًا لمن لا يستطيع القيام، ومن ذلك أيضًا: إباحة كشف العورة للتداوي.

كما أن السماح للمريض بكشف عورته بقدر حاجته في علاجه وتطبيبه ورعايته داخل في قاعدة: "الضرورات تبيح المحظورات".

قال العلامة الزركشي في "المنثور في القواعد الفقهية" (٢/ ٣١٧، ط. وزارة الأوقاف): [الضرورات تبيح المحظورات؛ ومن ثمّ أبيحت الميتة عند المخمصة، وإساغة اللقمة بالخمر لمن غص، ولم يجد غيرها، وأبيحت كلمة الكفر للمكره] اهـ.

وقد اتفق الفقهاء على جواز كشف العورات والنظر إليها إذا ما دعت الضرورة أو الحاجة لذلك؛ كالتداوي للمريض، أو لمن يقوم بعلاج العاجز أو رعايته وتهذيبه؛ لِمَا في ذلك من تحقق مصلحة الحفاظ على نفسه ورعاية صحته وعلاج مرضه، وذلك مقدم شرعًا -عند التعارض- على مصلحة ستر العورة، في إطار الحد الذي تتحقق به المصلحة؛ لأن ما أبيح للضرورة قُدِّر بقدرها.

قال حجة الإسلام الإمام الغزالي الشافعي في "الوسيط" (٥/ ٣٧، ط. دار السلام): [ولا يحل النظر إلى العورة إلا لحاجة مؤكدة، كمعالجة مرض شديد يخاف عليه فوت العضو أو طول الضَّنَى، ولتكن الحاجة في السوأتين آكد، وهو أن تكون بحيث لا يعد التكشف لأجله هتكًا للمروءة، وتعذر فيه في العادة، فإن ستر العورة من المروءات الواجبة] اهـ.

وقد جاء الأمر الشرعي بحفظ العوارت منوطًا بالاستطاعة، فعن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جَدِّهِ رضي الله عنه، قال: قلت يا رسول الله: عوراتنا، ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قَالَ: «إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، وأبو داود، والترمذي وحسَّنه، وابن ماجه في "سننهم"، والنسائي في "السنن الكبرى".

فإذا كان الإنسان مريضًا مرضًا يحتاج معه إلى كشف عورته خرج ذلك عن كونه مستطيعًا حفظها، وجاز له كشفها، وجاز أيضًا لمن يقوم بعلاجه وقضاء حاجته النظرُ إليها بقدر ما تقتضيه الضرورة أو الحاجة المنزلة منزلتها.

وقد تقرر في قواعد الفقه أن "الضرورة تقدر بقدرها"، وأن "الميسور لا يسقط بالمعسور"؛ فإذا احتاج معالج المريض أو مطبِّبُه أو ممرِّضُه إلى كشف جزء من عورته، لم يجز له كشفُ جزءٍ آخرَ لا يحتاج إليه، وإذا أمكنه التطبيبُ والتمريض بحائل ٍلم يَلجَأْ إلى مباشرة اللمس؛ فلا يُطَّلَعُ على ما لا يُحتاج إليه، ولا يُلمَس ما لا يحتاج إلى لمسه.. وهكذا.

وعجز الإنسان الذي لا يستطيع معه القيام بحاجاته الأساسية؛ من رعاية وعناية بنفسه، وتعهد جسده وعوراته بالنظافة الضرورية، والتطهر عن النجاسات الفطرية: يحتاج معه إلى من يتكفله ويتعهده بالرعاية، ويعينه على القيام بحاجاته الضرورية التي لا غنى له عنها؛ حتى تستقيم حياته ويحفظ نفسه من الهلاك، وذلك ما عرف باسم "الكفالة"، وهي: حفظ من لا يستقل بحاجاته وتعهده بما يصلحه.

وقد نص الفقهاء على أن الكفالة تشمل الكبير الذي لا يمكنه القيام بحاجاته، وهي أمر مستحسن شرعًا؛ قال العلامة كمال الدين الدميري الشافعي في "النجم الوهاج في شرح المنهاج" (٨/ ٢٩٢، ط. دار المنهاج): [الحضانة: حفظ من لا يستقل، أي: عما يؤذيه، وهي بفتح الحاء: مأخوذة من الحِضن بكسرها وهو الجَنب؛ لأنها تضمه إلى حضنها، وتنتهي بالتمييز، ثم بعده إلى البلوغ تسمى: كفالة، قاله الماوردي، والمراد: من لا يستقل بأمر نفسه؛ لعدم تمييزه، ليشمل الطفل والكبير والمجنون ومن به خبل وقلة تمييز] اهـ.

وإذا كان نفع الناس وتفريج كربهم والسعي في حاجاتهم، هي أحب الأعمال إلى الله تعالى، فإن تعهد المريض بالرعاية والعناية، وتحمل أعبائه، ومعاونته على القيام بحاجاته التي لا يستطيع أن يقوم بها بنفسه، هي أعظم من ذلك أجرًا، وأكثر ثوابًا، وأكبر درجة؛ لأن المريض أكثر الناس ضعفًا وأعظمهم حاجة، وكلما ازداد ضعف الإنسان واشتدت حاجته: زاد ثواب القيام عليه، وأجر رعايته:

فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ، فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي في "السنن"، وصححه ابن حبان والحاكم.

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أن رجلًا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، فقال: يا رسول الله! أي الناس أحب إلى الله، وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ: أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ: سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَئِنْ أَمْشِي مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا)) رواه الطبراني في "المعجم".

وعنه أيضًا -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ؛ لاَ يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ)) متفق عليه.

وعيادة المريض من حقوق المسلم على المسلم، وأصلها من العَوْد، وهو: الرجوع مرة إليه بعد مرة، وقد رتَّب الشرع على فعلها أجرًا عظيمًا؛ لِمَا فيها من الألفةِ والشفقةِ، ولِمَا يدخلُ على المريض من الإنس بعائده والسكون إلى كلامه؛ كما يقول الإمام ابن العربي في "القبس في شرح موطأ مالك بن أنس" (٣/ ١١٣٢، ط. دار الغرب الإسلامي)، وإذا كان ذلك في العيادة فكيف بالتطبيب الذي تحصل به العيادة وزيادة؛ قال الإمام القاضي عياض في "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" (٢/ ١٠٥، ط. المكتبة العتيقة): [وعيادة المريض: هِيَ زيارته وافتقاده، وَأَصله من الرُّجُوع، وَالْعود الرُّجُوع، وَيُقَال: عدت الْمَرِيض عودًا وعيادةً] اهـ.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ: رَدُّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ». متفق عليه واللفظ لمسلم.

وقد ترجم الإمام البخاري في صحيحه بابًا بعنوان: (باب وجوب عيادة المريض).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟» رواه الإمام مسلم في "صحيحه".

وعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا، لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ» رواه الإمام مسلم في "صحيحه".

والقيام بتمريض المريض ورعايته فرض على الكفاية يجب أن يقوم به الأقرب فالأقرب، فإن لم يوجد فسائر الناس؛ كما صرح بذلك الفقهاء:
قال الإمام ابن شاس المالكي في "عقد الجواهر الثمينة، في مذهب عالم المدينة" (٣/ ١٣٠٣، ط. دار الغرب الإسلامي): [والتمريض فرض كفاية؛ فيقوم به القريب، ثم الصاحب، ثم الجار، ثم سائر الناس] اهـ.

وقال الإمام ابن العربي المالكي في "القبس، في شرح موطأ مالك بن أنس" (٣/ ١١٣٢): [وربما احتاج المريض إلى التمريض، فيتناول ذلك العائدَ إن لم يكن له أهل، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «عُودُوا المريضَ» لجماعِ هذه الفوائد.

والتمريض فرض على الكفاية لا بد أن يقوم به بعض الخلق عن البعض؛ فالقريب، ثم الصاحب، ثم الجار، ثم سائر الناس] اهـ.

وقال الإمام القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (٧/ ٤٦، ط. دار الوفاء): [وأما عيادة المريض فمندوب إليه، إلا فيمن لا قائم عليه؛ فعلى المسلمين فرض على الكفاية: القيامُ عليه وتمريضه؛ لئلا يضيع ويموت جوعًا وعطشًا، وذلك أصل سُنَّةِ العيادة؛ لتفقد حال المرضى والقيام عليهم] اهـ.

وعدَّ الفقهاء تمريض المريض من الأعذار التي تبيح ترك صلاة الجمعة والجماعة:
فروى الإمام البخاري في "صحيحه": "أنَّ ابن عمر رضي الله عنهما ذُكِرَ له: أن سعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل، وكان بدريًّا، مرض في يوم جمعة، فركب إليه بعد أن تعالى النهار واقتربت الجمعة، وترك الجمعة".

قال العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (١/ ٣٦٧، ط. دار الكتاب): [وتسقط (يعني: الجمعة) بعذر البرد الشديد والظلمة الشديدة.. كأن يخاف الظلمة أو يريد سفرًا وأقيمت الصلاة فيخشى أن تفوته القافلة أو يكون قائمًا بمريض] اهـ.

وقال العلامة ابن شاس المالكي في "عقد الجواهر الثمينة" (١/ ١٣٧): [ولا تترك الجماعة إلا لعذر عام؛ كالمطر، والريح العاصفة بالليل، أو خاصٍّ؛ مثل أن يكون مريضًا، أو ممرِّضًا] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "منهاج الطالبين" (ص: ٣٨-٣٩، ط. دار الفكر): [ولا رخصة في تركها (يعني: الجماعة)، وإن قلنا سنة إلا بعذر عام، كمطر، أو ريح عاصف بالليل.. أو خاص؛ كمرض...وحضور قريب محتضر، أو مريض بلا متعهد، أو يأنس به] اهـ.

وروى العلامة الكوسج في "مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه" (٢/ ٨٥٨، ط. الجامعة الإسلامية): [قلت: فالخائف؟ قال: نعم، إذا خاف أن يعتلّ المريض قد رخص الله عز وجل له في ذلك، وابن عمر رضي الله عنهما ترك الجمعة للجنازة] اهـ.

وقال الإمام برهان الدين بن مفلح الحنبلي في "المبدع في شرح المقنع" (٢/ ١٠٥، ط. دار الكتب العلمية): [وقال ابن عقيل: خوف فوت المال عذر في ترك الجمعة إذا لم يتعمد سببه، بل حصل اتفاقًا، (أو موت قريبه) نص عليه، أو تمريضه.. لأن ابن عمر رضي الله عنهما استصرخ على سعيد بن زيد رضي الله عنه وهو يتجمر للجمعة، فأتاه بالعقيق، وترك الجمعة، قال في "الشرح": ولا نعلم في هذا خلافًا] اهـ.

كما أذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمن كان عنده مريض أن يتخلف عن الجهاد للقيام بأمر تمريضه ورعايته؛ فعندما مرضت السيدة "رقية" رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تخلف زوجها سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه عن غزوة "بدر" من أجل رعايتها وتمريضها، فأثنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فعله، وبيّن أنه يعادل أجر الجهاد، وأسهم له.

فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إنما تغيب عثمان رضي الله عنه عن بدر، فإنه كانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت مريضة، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ» أخرجه البخاري في "صحيحه".

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (٩/ ١٧٧، ط. دار المعرفة): [فإن رقية رضي الله عنها ماتت ليالي بدر، وتخلف عثمان رضي الله عنه عن بدر لتمريضها] اهـ.

وأَولى الناس بتطبيب المريض محارمُه، والنساء أنسب بذلك؛ كأمه، وبنته، وأخته، وبنات إخوته، وزوجة أبيه، وزوجة ابنه، ونحوهنَّ؛ ممن يَحْرُمْنَ عليه على التأبيد؛ فقد كانت أسماء بنت عميس زوجة علي بن أبي طالب رضي الله عنهما تقوم على تطبيب ابنه سيدنا الحسين رضي الله عنه وهي زوجة أبيه رضي الله عنهما؛ فروى الإمام مالك في "الموطأ" عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر أنه أخبره: أنه كان مع عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما، فخرج معه من المدينة، فمروا على حسين بن علي رضي الله عنهما وهو مريض بالسقيا، فأقام عليه عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما، حتى إذا خاف الفوات خرج وبعث إلى علي بن أبي طالب وأسماء بنت عميس رضي الله عنهما وهما بالمدينة، فقدما عليه.

قال الحافظ ابن عبد البر في "الاستذكار" (٤/ ٢٧٣، ط. دار الكتب العلمية): [لأن النساء ألطف بتمريض المرضى، وكانت أسماء بنت عميس رضي الله عنها كأمِّه: زوجةً لأبيه؛ فلذلك أتى بها عليٌّ أبوه رضي الله عنهما لتمرضه] اهـ.

وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فمحارم الرجل من الرجال أولى برعايته وغسله، فإن تعذر ذلك فيجوز لمحارمه النساء فعل ذلك، فإن تعذر ذلك فيجوز لك فعل ذلك إذا أمنت الفتنة، مع الاحتياط قدر الإمكان من النظر إلى العورات أو مسها بغيرحائل، والله أعلم.

المصدر: دار الإفتاء المصرية