المحرر موضوع: هل يجوز احتساب الدين من الزكاة ؟  (زيارة 251 مرات)

إنسان حر

  • Hero Member
  • *****
  • مشاركة: 654
    • مشاهدة الملف الشخصي

هل يجوز احتساب الدين من الزكاة ؟

« في: حزيران 15, 2021, 02:33:17 مسائاً »
صاحبي استلف مني فلوس لإحضار علاج لوالدته؟ هل يجوز احتساب هذا المبلغ زكاة؟ أرجوا بيان الحكم بالأدلة وجزاكم الله خير الجزاء.

الـجـــواب
نعم يجزئك احتساب هذا الدين من الزكاة الواجبة بناء على التوضيح التالي:

إسقاط الديون المتعثرة عن المدين الفقير المعسر المستحق للزكاة وإعفاؤه عن سدادها، وخصم قيمتها من إجمالى ما يستحق على الدائن من زكاة ماله له صورتان:

الصورة الأولى أن يعتبر الدائن ما على مدينه من الدين من زكاة المال دون أن يعطيه مال الزكاة حقيقة ولا يدفعه إليه، بل يخبره فحسب بأنه تنازل عن دينه لديه، دون إشعاره بأن ذلك من الزكاة ، وهذه الصورة جائز على وجه مقابل الأصح عند الشافعية، وبه قال أشهب من المالكية، وهو مذهب الإمام جعفر الصادق، والحسن البصري، وعطاء رحمهم الله تعالى ، وهو المختار للفتوى، لدخول هؤلاء المدينين تحت صنف الغارمين الذي هو أحد مصارف الزكاة الثمانية، فقد قال الله – تعالى -: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، [ التوبة: ٦٠].
قال الإمام القاسم بن سلام فى كتابه "الأموال " (ص ٥٣٣، ط دار الفكر): [عن عبد الواحد بن أيمن قال: قلت لعطاء بن أبي رباح: لي على رجل دين، وهو معسر، أفأدعه له، وأحتسبه من زكاة مالي ؟ فقال: نعم.

وعن الحسن، أنه كان لا يرى بذلك بأسا إذا كان ذلك من قرض، قال: فأما بيوعكم هذه فلا.

قال أبو عبيد: وإنما نرى الحسن وعطاء كانا يرخصان في ذلك لمذهبهما كان في الزكاة، وذلك أن عطاء كان لا يرى في الدَّين زكاة، وإن كان على الثقة المليء، وأن الحسن كان ذلك رأيه في الدين الضمار، وهذا الذي على المعسر هو ضمار لا يرجوه، فاستوى قولهما هاهنا، فلما رأيا أنه لا يلزم ربَّ المال حقُّ الله في ماله هذا الغائب، جعلاه كزكاة قد كان أخرجها فأنفذها إلى هذا المعسر، وبانت من ماله، فلم يبق عليه إلا أن ينوي بها الزكاة، وأن يبرئ صاحبه منها، فرأياه مجزئا عنه إذا جاءت النية والإبراء].

ثم ناقش الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام هذا المذهب، وذكر آراء من عارضه من الفقهاء فقال رحمه الله تعالى (ص ٥٣٣) : [وهذا مذهب لا أعلم أحدا يعمل به، ولا يذهب إليه من أهل الأثر وأهل الرأي. وكان سفيان بن سعيد فيما حكوا عنه يكرهه، ولا يراه مجزئا، فسألت عنه عبد الرحمن، فإذا هو على مثل رأي سفيان. ولا أدري لعله قد ذكره عن مالك أيضا، وكذلك هو عندي غير مجزئ عن صاحبه لخلال اجتمعت فيه.

أما إحداها: فإن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة كانت على خلاف هذا الفعل؛ لأنه إنما كان يأخذها من أعيان المال عن ظهر أيدي الأغنياء، ثم يردها في الفقراء، وكذلك كانت الخلفاء بعده، ولم يأتنا عن أحد منهم أنه أذن لأحد في احتساب دين من زكاة، وقد علمنا أن الناس قد كانوا يدانون في دهرهم.

الثانية: أن هذا مال تاو غير موجود، قد خرج من يد صاحبه على معنى القرض والدين، ثم هو يريد تحويله بعد التواء إلى غيره بالنية، فهذا ليس بجائز في معاملات الناس بينهم، حتى يقبض ذلك الدين، ثم يستأنف الوجه الآخر، فكيف يجوز فيما بين العباد وبين الله عز وجل؟ .

والثالثة: أني لا آمن أن يكون إنما أراد أن يقي ماله بهذا الدين قد يئس منه، فيجعله ردءا لماله يقيه به، إذا كان منه يائسا، وليس يقبل الله تبارك وتعالى إلا ما كان له خالصا].

وقال الإمام ابن زنجويه في "الأموال " (٣ / ٤٧٣، ط مركز الملك فيصل)، [عن إسماعيل بن عبد الملك قال: « جاء رجل إلى عطاء بن أبي رباح بابن أخت له فقال: يا أبا محمد، إن لي على هذا دنانير، وقد مات فإن تركتها لابن أختي أتجزي عني من زكاة مالي ؟ قال: نعم »].

وجاء في "الذخيرة للقرافي" في فقه السادة المالكية (٣ / ١٥٣): [لا يخرج في زكاته إسقاط دينه عن الفقير لأنه مستهلك عند الفقير ، قال سند: فإن فعل فقال ابن القاسم : لا يجزئه . وقال أشهب : يجزئه بمنزلة الدفع للغارم بجامع السبب لبراءة الذمة].

وأيد قول أشهب الإمام الحطاب من المالكية إن علم أنه لن يزك ، فقد جاء في "شرح مختصر خليل" للخرشي (٢ / ٢١٤): [قال الحطاب: ثم إن علم من حال من تجب عليه الزكاة أنه إذا لم يحسب ما على العديم من زكاته لم يزك فإنه ينبغي العمل بما قال أشهب؛ لأن إخراج الزكاة على قول أحسن من لزومها على كل قول].

وقال النووي الشافعي في "روضة الطالبين وعمدة المفتين" (١ / ٢٥٩): [ولو كان له عليه دين فقال جعلته عن زكاتي لا يجزئه على الأصح حتى يقبضه ثم يرده إليه إن شاء . وعلى الثاني يجزئه ، كما لو كان وديعة حكاه في "البيان"].

وقال: النووي في "المجموع" (٦ / ٢١٠): [إذا كان لرجل علي معسر دين فأراد أن يجعله عن زكاته وقال له جعلته عن زكاتي فوجهان حكاهما صاحب البيان ، أصحهما: لا يجزئه وبه قطع الصيمري وهو مذهب أبى حنيفة وأحمد لأن الزكاة في ذمته فلا يبرأ إلا بإقباضها .

والثاني: تجزئه وهو مذهب الحسن البصري وعطاء لأنه لو دفعه إليه ثم أخذه منه جاز فكذا إذا لم يقبضه كما لو كانت له عنده دراهم وديعة ودفعها عن الزكاة فإنه يجزئه سواء قبضها أم لا].

الصورة الثانيةإذا كان له دين على معسر وأراد أن يجعله زكاة عن عين عنده أو عن دين له على آخر سيقبضه: أن يعطي مديونه الفقير زكاته، ثم يأخذها عن دينه، وإلى جواز هذه الصورة ذهب جمهور الفقهاء الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، ولكن اشترطوا في هذه الصورة ألا يشترط الدائن على دائنه عند دفع الزكاة إليه أن يردها إليه مرة ثانية في قضاء دينه، وهذا الشرط بالاتفاق بينهم، وإليك نصوصهم في هذه الصورة بالتفصيل:
صرح الحنفية- رضي الله عنهم أجمعين- بأنه لا يجوز في الزكاة أداء الدين عن العين والمراد بالدين ما كان ثابتا في الذمة من مال الزكاة وبالعين ما كان قائما في ملكه من نقود وعروض، وأداء الدين عن العين كجعله ما في ذمة مديونه زكاة لماله الحاضر، وكذلك لا يجوز أداء دين عن دين سيقبض كما لو أبرأ الفقير عن بعض النصاب ناويا به الأداء عن الباقي لأن الباقي يصير عينا بالقبض فيصير مؤديا الدين عن العين، وحيلة الجواز عندهم فيما إذا كان له دين على معسر وأراد أن يجعله زكاة عن عين عنده أو عن دين له على آخر سيقبضه: أن يعطي مديونه الفقير زكاته، ثم يأخذها عن دينه، قال: ابن عابدين من الحنفية – رحمه الله - في "رد المحتار على الدر المختار" (٢/ ١٢)، [( قَوْلُهُ وَاعْلَمْ إلَخْ ) الْمُرَادُ بِالدَّيْنِ مَا كَانَ ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ وَبِالْعَيْنِ مَا كَانَ قَائِمًا فِي مِلْكِهِ مِنْ نُقُودٍ وَعُرُوضٍ، وَالْقِسْمَةُ رُبَاعِيَّةٌ، لأَنَّ الزَّكَاةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا، وَالْمَالُ الْمُزَكَّى كَذَلِكَ لَكِنَّ الدَّيْنَ إمَّا أَنْ يَسْقُطَ بِالزَّكَاةِ أَوْ يَبْقَى مُسْتَحَقَّ الْقَبْضِ بَعْدَهَا فَتَصِيرُ خَمْسَةً فَيَجُوزُ الأَدَاءُ فِي ثَلاثَةٍ:

الأُولَى : أَدَاءُ الدَّيْنِ عَنْ دَيْنٍ سَقَطَ بِهَا كَمَا مُثِّلَ مِنْ إبْرَاءِ الْفَقِيرِ عَنْ كُلِّ النِّصَابِ.

الثَّانِيَةُ : أَدَاءُ الْعَيْنِ عَنْ الْعَيْنِ كَنَقْدٍ حَاضِرٍ عَنْ نَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ حَاضِرٍ.

الثَّالِثَةُ : أَدَاءُ الْعَيْنِ عَنْ الدَّيْنِ كَنَقْدٍ حَاضِرٍ عَنْ نِصَابِ دَيْنٍ.

وَفِي صُورَتَيْنِ لا يَجُوزُ: الأُولَى أَدَاءُ الدَّيْنِ عَنْ الْعَيْنِ كَجَعْلِهِ مَا فِي ذِمَّةِ مَدْيُونِهِ زَكَاةً لِمَالِهِ الْحَاضِرِ، بِخِلافِ مَا إذَا أَمَرَ فَقِيرًا بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى آخَرَ عَنْ زَكَاةِ عَيْنٍ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لأَنَّهُ عِنْدَ قَبْضِ الْفَقِيرِ يَصِيرُ عَيْنًا فَكَانَ عَيْنًا عَنْ عَيْنٍ.

الثَّانِيَةُ : أَدَاءُ دَيْنٍ عَنْ دَيْنٍ سَيُقْبَضُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبَحْرِ، وَهُوَ مَا لَوْ أَبْرَأَ الْفَقِيرَ عَنْ بَعْضِ النِّصَابِ نَاوِيًا بِهِ الأَدَاءَ عَنْ الْبَاقِي وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْبَاقِيَ يَصِيرُ عَيْنًا بِالْقَبْضِ فَيَصِيرُ مُؤَدِّيًا بِالدَّيْنِ عَنْ الْعَيْنِ، ا هـ . وَلِذَا أَطْلَقَ الشَّارِحُ الدَّيْنَ أَوَّلا عَنْ التَّقْيِيدِ بِالسُّقُوطِ، وَلِقَوْلِهِ بَعْدَهُ سَيُقْبَضُ ( قَوْلُهُ وَحِيلَةُ الْجَوَازِ ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مُعْسِرٍ، وَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ زَكَاةً عَنْ عَيْنٍ عِنْدَهُ أَوْ عَنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَى آخَرَ سَيُقْبَضُ ( قَوْلُهُ أَنْ يُعْطِيَ مَدْيُونَهُ الْفَقِيرَ زَكَاتَهُ ثُمَّ يَأْخُذَهَا عَنْ دَيْنِهِ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمَدْيُونُ مَدَّ يَدَهُ وَأَخَذَهَا لِكَوْنِهِ ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ، فَإِنْ مَانَعَهُ رَفَعَهُ لِلْقَاضِي ) قَالَ فِي الأَشْبَاهِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ أَيْ لأَنَّهُ يَصِيرُ وَسِيلَةً إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ].

وفى "الأشباه والنظائر " لابن نجيم الحنفي –رحمه الله - (ص ٤٠٧): [وَمَنْ لَهُ عَلَى فَقِيرٍ دَيْنٌ وَأَرَادَ جَعْلَهُ عَنْ زَكَاةِ الْعَيْنِ لْحِيلَةُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَأْخُذَهُ مِنْهُ عَنْ دَيْنِهِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ].

وقال: النووي الشافعي- رحمه الله تعالى- في "المجموع" (٦ / ٢١١)، [(أما) إذا دفع الزكاة إليه بشرط أن يردها إليه عن دينه فلا يصح الدفع ولا تسقط الزكاة بالاتفاق ولا يصح قضاء الدين بذلك بالاتفاق ممن صرح بالمسألة القفال في الفتاوى وصاحب التهذيب في باب الشرط في المهر وصاحب البيان هنا والرافعي وآخرون، ولو نويا ذلك ولم يشرطاه جاز بالاتفاق وأجزأه عن الزكاة ، وإذا رده إليه عن الدين برئ منه .

قال البغوي: ولو قال المدين ادفع إلي عن زكاتك حتى أقضيك دينك ففعل أجزأه عن الزكاة ، وملكه القابض ولا يلزمه دفعه إليه عن دينه، فإن دفعه أجزأه.

قال القفال: ولو قال رب المال للمدين اقض ما عليك علي أن أرده عليك عن زكاتي فقضاه صح القضاء ولا يلزمه رده إليه وهذا متفق عليه وذكر الرويانى في البحر أنه لو أعطى مسكينا زكاة وواعده أن يردها إليه ببيع أو هبة أو ليصرفها المزكي في كسوة المسكين ومصالحه ففى كونه قبضا صحيحا احتمالان . قلت: الأصح لا يجزئه كما لو شرط أن يرد إليه عن دينه عليه .

قال القفال: ولو كانت له حنطة عند فقير وديعة، فقال: كل منها لنفسك كذا ، ونوى ذلك عن الزكاة ففى إجزائه عن الزكاة وجهان : وجه المنع أن المالك لم يكله، وكَيْل الفقير لنفسه لا يعتبر ، ولو كان وكله بشراء ذلك القدر فاشتراه وقبضه ثم قال له الموكل : خذه لنفسك ونواه زكاة أجزأه ، لأنه لا يحتاج إلي كيله والله تعالي أعلم].

وصرح المالكية والحنابلة – رضي الله عنهم - في هذه الصورة بأنه يجوز للمدين أن يرد ما دفعه إليه دائنه من الزكاة في قضاء ما عليه من الدين عن طريق الحيلة، قال الحطاب من المالكية: ومحل الجواز إذا لم يتواطآ عليه وإلا منع اتفاقا، جاء في "جواهر الإكليل" في فقه السادة المالكية –رضي الله عنهم أجمعين - (١ / ١٣٨): [(وفى جواز دفعها) أى الزكاة (لـ) شخص (مدين) للمزكى عديم (ثم أخذها منه) أى الدين فى الدين الذى عليه وعدمه (تردد) للباجى وابن عبد السلام والمصنف فى الحكم لعدم نص المتقدمين الجواز لابن عبد السلام واعتمد والمنع فهم من كلام الباجى واليه ذهب المصنف، وقال الحطاب: محل الجواز إذا لم يتواطآ عليه وإلا منع اتفاقا].

وقال الإمام أحمد –رحمه لله -: إن كان حيلة فلا يعجبني قال القاضي وغيره: معنى الحيلة: أن يعطيه بشرط أن يردها عليه من دينه لأن من شرطها كونها تمليكا صحيحا، فإذا شرط الرجوع لم يوجد، ولأن الزكاة حق الله تعالى فلا يجوز صرفها إلى نفعه وإن رد الغريم من نفسه ما قبضه وفاء عن دينه من غير شرط ولا مواطأة جاز لرب المال أخذه من دينه لأنه بسبب متجدد كالإرث والهبة، جاء في "كشاف القناع" (٢ / ٢٨٨): [( وَ ) يَجُوزُ أَيْضًا دَفْعُ الزَّكَاةِ ( إلَى غَرِيمِهِ ) لأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْغَارِمِينَ ( لِيَقْضِيَ ) بِهَا ( دَيْنَهُ سَوَاءٌ دَفَعَهَا إلَيْهِ ابْتِدَاءً ) قَبْلَ الاسْتِيفَاءِ ( أَوْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ ثُمَّ دَفَعَهَا إلَيْهِ لِيَقْضِيَ دَيْنَ الْمُقْرِضِ مَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةً نَصًّا ) . قَالَ أَحْمَدُ : إنْ كَانَ حِيلَةً فَلا يُعْجِبُنِي وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ لَمْ يَصْلُحْ , وَلا يَجُوزُ . ( وَقَالَ أَيْضًا : إنْ أَرَادَ إحْيَاءَ مَالِهِ لَمْ يَجُزْ , وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : مَعْنَى الْحِيلَةِ , أَنْ يُعْطِيَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِهِ ; لأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا تَمْلِيكًا صَحِيحًا فَإِذَا شَرَطَ الرُّجُوعَ لَمْ يُوجَدْ ) . وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : إنَّهُ حَصَلَ مِنْ كَلامِ أَحْمَدَ إذَا قَصَدَ بِالدَّفْعِ إحْيَاءَ مَالِهِ وَاسْتِيفَاءَ دَيْنِهِ , لَمْ يَجُزْ ، لأَنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ اللَّهِ فَلا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى نَفْعِهِ ( وَإِنْ رَدَّ الْغَرِيمُ مِنْ نَفْسِهِ مَا قَبَضَهُ وَفَاءً عَنْ دَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلا مُوَاطَأَةٍ جَازَ ) لِرَبِّ الْمَالِ ( أَخْذُهُ ) مِنْ دَيْنِهِ ; لأَنَّهُ بِسَبَبٍ مُتَجَدِّدٍ , كَالإِرْثِ وَالْهِبَةِ].

وقال الإمام ابن قدامة فى "المغني" (٢/ ٤٨٧): [قَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ بِرَهْنٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ قَضَاؤُهُ، وَلِهَذَا الرَّجُلِ زَكَاةُ مَالٍ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَيَدْفَعُ إلَيْهِ رَهْنَهُ وَيَقُولُ لَهُ: الدَّيْنُ الَّذِي لِي عَلَيْك هُوَ لَك، وَيَحْسُبُهُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ، قَالَ: لا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ، فَقُلْت لَهُ: فَيَدْفَعُ إلَيْهِ مِنْ زَكَاتَهُ , فَإِنْ رَدَّهُ إلَيْهِ قَضَاءً مِمَّا لَهُ، أَخْذُهُ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَقِيلَ لَهُ: فَإِنْ أَعْطَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ ؟ قَالَ: إذَا كَانَ بِحِيلَةٍ فَلا يُعْجِبُنِي، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ اسْتَقْرَضَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ دَرَاهِمَ، فَقَضَاهُ إيَّاهَا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ، وَحَسَبَهَا مِنْ الزَّكَاةِ ؟ فَقَالَ: إذَا أَرَادَ بِهَا إحْيَاءَ مَالِهِ فَلا يَجُوزُ فَحَصَلَ مِنْ كَلامِهِ أَنَّ دَفْعَ الزَّكَاةِ إلَى الْغَرِيمِ جَائِزٌ، سَوَاءٌ دَفَعَهَا ابْتِدَاءً، أَوْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ ثُمَّ دَفَعَ مَا اسْتَوْفَاهُ إلَيْهِ، إلا أَنَّهُ مَتَى قَصَدَ بِالدَّفْعِ إحْيَاءَ مَالِهِ أَوْ اسْتِيفَاءَ دَيْنِهِ، لَمْ يَجُزْ، لأَنَّ الزَّكَاةَ لَحِقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى نَفْعِهِ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يَحْتَسِبَ الدَّيْنَ الَّذِي لَهُ مِنْ الزَّكَاةِ قَبْلَ قَبْضِهِ لأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَدَائِهَا وَإِيتَائِهَا، وَهَذَا إسْقَاطٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ].

وبناء عليه فالذى نختاره فى الفتوى إسقاط الدين عن المدين الفقير المعسر ، واحتسابه من زكاة مال الدائن، وسواء فى ذلك أن يتم بطريق الإسقاط ناويا بذلك أنه من زكاة مال، أو يعطيه الدائن مال الزكاة ثم يسترده عن الدين، فتبرأ بذلك –فى الصورتين - ذمة الدائن من الزكاة، كما تبرأ ذمة المدين من الدين والله تعالى أعلم.

المصدر: دار الإفتاء المصرية