السلام عليكم؛ أريد أن أتوب، ولكني لا أخشع في الصلاة، ولا أتأثر بالقرآن؛ فقلبي قاسي ولا يلين للقرآن، فماذا أفعل؟الـجـــواببرجاء الالتزام بتعليمات الصفحة، والتي تؤكد على ضرورة إرسال سؤال واحد فقط، وفى حالة إرسال أكثر من سؤال سيتم الرد على سؤال واحد فقط.
الخشوع هيئة من هيئات الصلاة، ولا يترتب على الإخلال به بطلان الصلاة، ولكن ينبغي على المسلم عندما يصلي أن يستحضر عظمة من يصلي أمامه، وأن يأخذ بأسباب
الخشوع قال العلامة ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-: ((وأصل الخشوع: هو لين القلب ورقته، وسكونه، وخضوعه، وانكساره، وحرقته، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح، والأعضاء؛ لأنها تابعة له، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (( ... ألاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ)) (متفق عليه).
فإذا خشع القلب خشع: السمع، والبصر، والرأس، والوجه، وسائر الأعضاء، وما ينشأ منها حتى الكلام؛ ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه في الصلاة: «اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي، وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي» (رواه مسلم).
قال حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي -رحمه الله تعالى- في كتابه "إحياء علوم الدين" (١/ ١٧١): [اعلم أن الخشوع ثمرة الإيمان ونتيجة اليقين الحاصل بجلال الله -عز وجل- ومن رزق ذلك فإنه يكون خاشعا في الصلاة وفي غير الصلاة بل في خلوته وفي بيت المال عند الحاجة فإن موجب الخشوع معرفته اطلاع الله -تعالى- على العبد ومعرفة جلاله ومعرفة تقصير العبد فمن هذه المعارف يتولد الخشوع وليست مختصة بالصلاة ولذلك روي عن بعضهم أنه لم يرفع رأسه إلى السماء أربعين سنة حياء من الله -سبحانه- وخشوعا له وكان الربيع بن خيثم من شدة غضه لبصره وإطراقه يظن بعض الناس أنه أعمى وكان يختلف إلى منزل ابن مسعود عشرين سنة فإذا رأته جاريته قالت لابن مسعود صديقك الأعمى قد جاء فكان يضحك ابن مسعود من قولها وكان إذا دق الباب تخرج الجارية إليه فتراه مطرقا غاضا بصره وكان ابن مسعود إذا نظر إليه يقول وبشر المخبتين أما والله لو رآك محمد -صلى الله عليه وسلم- لفرح بك وفي لفظ آخر لأحبك وفي لفظ آخر لضحك ومشى ذات يوم مع ابن مسعود في الحدادين فلما نظر إلى الأكوار تنفخ وإلى النار تلتهب صعق وسقط مغشيا عليه وقعد ابن مسعود عند رأسه إلى وقت الصلاة فلم يفق فحمله على ظهره إلى منزله فلم يزل مغشيا عليه إلى مثل الساعة التي صعق فيها ففاتته خمس صلوات وابن مسعود عند رأسه يقول هذا والله هو الخوف.
وكان الربيع يقول ما دخلت في صلاة قط فأهمني فيها إلا ما أقول وما يقال لي وكان عامر بن عبد الله من خاشعي المصلين وكان إذا صلى ربما ضربت ابنته بالدف وتحدث النساء بما يردن في البيت ولم يكن يسمع ذلك ولا يعقله وقيل له ذات يوم هل تحدثك نفسك في الصلاة بشيء قال نعم بوقوفي بين يدي الله -عز وجل- ومنصرفي إحدى الدارين قيل فهل تجد شيئا مما نجد من أمور الدنيا فقال لأن تختلف الأسنة في أحب إلي من أن أجد في صلاتي ما تجدون وكان يقول لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا.
وقد كان مسلم بن يسار منهم وقد نقلنا أنه لم يشعر بسقوط اسطوانة في المسجد وهو في الصلاة.
وتآكل طرف من أطراف بعضهم واحتيج فيه إلى القطع فلم يمكن منه فقيل إنه في الصلاة لا يحس بما يجري عليه فقطع وهو في الصلاة.
وقال بعضهم الصلاة من الآخرة فإذا دخلت فيها خرجت من الدنيا وقيل لآخر هل تحدث نفسك بشيء من الدنيا في الصلاة فقال لا في الصلاة ولا في غيرها
وسئل بعضهم هل تذكر في الصلاة شيئا فقال وهل شيء أحب إلي من الصلاة فأذكره فيها وكان أبو الدرداء -رضي الله عنه- يقول من فقه الرجل أن يبدأ بحاجته قبل دخوله في الصلاة ليدخل في الصلاة وقلبه فارغ.
وكان بعضهم يخفف الصلاة خيفة الوسواس وروي أن عمار بن ياسر صلى صلاة فأخفها فقيل له خففت يا أبا اليقظان فقال هل رأيتموني نقصت من حدودها شيئا قالوا لا قال إني بادرت سهو الشيطان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له نصفها ولا ثلثها ولا ربعها ولا خمسها ولا سدسها ولا عشرها وكان يقول إنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها"، ويقال إن طلحة والزبير وطائفة من الصحابة -رضي الله عنهم -كانوا أخف الناس صلاة وقالوا نبادر بها وسوسة الشيطان.
وروي أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال على المنبر إن الرجل ليشيب عارضاه في
الإسلام وما أكمل لله تعالى صلاة قيل وكيف ذلك قال لا يتم خشوعها وتواضعها وإقباله على الله -عز وجل- فيها ...... ] قال الإمام الغزالي: [فهذه صفة الخاشعين فدلت هذه الحكايات والأخبار مع ما سبق على أن الأصل في الصلاة الخشوع وحضور القلب وأن مجرد الحركات مع الغفلة قليل الجدوى في المعاد، والله أعلم].
وبالإضافة لما سبق فمن أراد الخشوع في الصلاة والتركيز فيها، فعليه بمراعاة الآتي:- أ- أن لا يحضر فيه غير ما هو فيه من الصلاة.
- ب- أن يخشع بجوارحه بأن لا يعبث بشيء من جسده كلحيته أو من غير جسده، كتسوية ردائه أو عمامته، بحيث يتصف ظاهره وباطنه بالخشوع، ويستحضر أنه واقف بين يدي ملك الملوك الذي يعلم السر وأخفى يناجيه، وأن صلاته معروضة عليه.
- ج- أن يتدبر القراءة؛ لأنه بذلك يكمل مقصود الخشوع.
- د- أن يفرغ قلبه عن الشواغل الأخرى ؛ لأن هذا أعون على الخشوع ، ولا يسترسل مع حديث النفس.
قال ابن عابدين في "رد المحتار على الدر المختار" (١/ ٢٧٩ ط إحياء التراث): [واعلم أن حضور القلب فراغه من غير ما هو ملابس له]، والأصل في طلب الخشوع في الصلاة قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢)} [المؤمنون: ١، ٢]، فسر علي رضي الله عنه الخشوع في الآية بلين القلب وكف الجوارح، وحديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة)) أخرجه مسلم في صحيحه، وما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال: ((لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه)) أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وما روى أبو ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى)) أخرجه أبو داود في سننه.
هـ - عليك بالتهيؤ للصلاة جيدا وإسباغ الوضوء وإحسانه والتقديم بركعتين نافلة بعد الوضوء إذا لم تكن هناك سنة قبلية والإكثار من
ذكر الله قبل الدخول في الصلاة، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم قبل قراءة الفاتحة، ومحاولة دفع التشتت الذهني وتلون الأفكار أثناء الصلاة، وجعل الحالة المهيمنة على قلبك هي الخشوع والتأمل في أحوال الدار الآخرة وما بعد الموت وطلب رضوان الله بما فرضه من العبادة والاستعانة به على كافة المصاعب التي يواجهها الإنسان في حياته أو التي يخشى أن يواجهها بعد مماته، فيعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فليذكر أن الله -تعالى- هو الذي يراه.
و- إذا كنت تعاني من تشتت الذهن وعدم التمكن من التركيز في فكرة واحدة فترة متصلة كالتي تمضيها في الصلاة فيمكنك البحث والاستفادة من تدريبات تقوية مهارات التركيز والتخلص من تشويش الأفكار ونحو هذه المهارات التي كثرت فيها الأبحاث والدراسات ووضعت لها التدريبات العديدة، والله -تعالى- أعلم.
المصدر: دار الإفتاء المصرية