هل الرقية الشرعية وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وان كانت وردت عنه فما هي الصيغة الشرعية وهل تختلف الصيغة حسب الغرض منه؟الـجـــواب أنزل الله القرآن الكريم هدى ورحمة للمؤمنين، وأخبر أن من هدايته شفاء الروح من عللها وأمراضها وقبائحها فقال: { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } [فصلت:44]، وأن من رحمته شفاءه للمؤمنين فقال: { وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً } [الإسراء:82] وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } [يونس:57]، فالقرآن الكريم هو الشفاء التام والعصمة النافعة والنور الهادي والرحمة العامة.
وروى ابن ماجه في سننه من حديث سيدنا علي كرم الله وجهه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وآله وسلم: ( خَيْرُ الدَّوَاءِ الْقُرْآن)، وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قصة الصحابي الذي رقى اللديغ بسورة الفاتحة فبرئ من ساعته، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: « وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ! » ثُمَّ قَالَ: « خُذُوا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ».
فالقرآن شفاء بلا شك ولا ريب، إلا أن الشفاء فيه إنما هو على جهة كونه دعاءً وذكرًا لله تعالى بكلامه الذي هو خير الكلام، لا أنه علاج عضوي يؤخذ من غير فهم ولا وعي ؛ ولذلك لا يُكتفَى بقراءة القرآن عن الذهاب للطبيب المختص، بل على الإنسان أن يأخذ بالسبب المادي الذي خلقه الله تعالى أدبًا معه في كونه مع قراءة القرآن حتى يبارك الله في الدواء العضوي فيُؤتي ثمرته ويُنتج أثره، وسواء كانت الآيات المقروءة على المريض واردة بنفسها وكيفيتها في السنة المشرفة أو كانت من المُجرَّبات التي جرَّبها الصالحون فكانت نافعة في أحوال المرضى بإذن الله - فكل ذلك جائز.
والرقية الشرعية هي:الرقية لغة: اسم من الرقي يقال رقى الراقي المريض يرقيه.
قال ابن الأثير: الرقية العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع وغير ذلك من الآفات لأنه يعاذ بها، ومنه قوله تعالى: { وقيل من راق } سورة القيامة / 27.
أي من يرقيه، تنبيها على أنه لا راقي يرقيه فيحميه، ورقيته رقية أي عوذته بالله، والاسم الرقيا، والمرة رقية، والجمع: رقى.
ولا يخرج اصطلاح الفقهاء للرقية عن المعنى اللغوي.
والرقية قد تكون بكتابة شيء وتعليقه، وقد تكون بقراءة شيء من القرآن والمعوذات والأدعية المأثورة.
حكم الرقي:ذهب الجمهور إلى جواز الرقي من كل داء يصيب الإنسان بشروط ثلاثة:
- أولها: أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته.
- ثانيها: أن يكون باللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره.
- ثالثها: أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بإذن الله تعالى وقدرته لِمَا رَوَى عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ ". (صحيح مسلم)
وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّقَى فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنَ الْعَقْرَبِ وَإِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى، قَالَ: فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ. فَقَالَ: مَا أَرَى بَأْسًا، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ.(صحيح مسلم)
وقال الربيع: سألت الشافعي عن الرقى فقال: لا بأس إن رقي بكتاب الله أو بما يعرف من ذكر الله.
والعقلية العلمية هي التي ترجع الظواهر إلى أسبابها العلمية بالاستناد إلى الأدلة والبراهين، وعقلية الخرافة هي التي لا ترجع الظواهر لأسبابها الحقيقية، وإنما ترجم بالغيب ولا تستند إلى البراهين.
وينبغي أن يكون المسلم صاحب عقلية علمية تؤهله لعبادة الله تعالى، وعمارة الأرض، وتزكية النفس، ولا ينبغي له أن ينساق وراء عقلية الخرافة التي تقوم على الأوهام والظنون، ولا تستند إلى أدلة وبراهين، وقد كثر في زماننا هذا بين المسلمين شيوع عقلية الخرافة، وانتشر إرجاع أسباب تأخر الرزق وغير ذلك من ابتلاءات إلى السحر والحسد ونحو ذلك.
والصواب هو البحث في الأسباب المنطقية والحقيقية وراء هذه الظواهر ومحاولة التغلب عليها بقانون الأسباب الذي أقام الله عليه مصالح العباد، وعلى المسلم أن يستعين بالله في ذلك، كما ينبغي عليه أن يزيد من جانب الإيمان بالله والرضا بما قسمه الله له.
ولا يعني هذا الكلام إنكار السحر والحسد، فإنه لا يسع مسلما أن ينكرهما فقد أخبرنا بوجودهما الله –سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- في سنته الشريفة، ولكن المنكر هو الإسراف في ذلك حتى غدا أغلب من يزعمون أنهم يعالجون من السحر من المدعين المشعوذين المرتزقة، وأغلب من يظنون أنهم من المسحورين هم من الموهومين.
وعلى كل حال من لم يجد مبررا منطقيا لما يحدث له، وغلب على ظنه أنه مسحور أو نحوه، فليتعامل مع ذلك بالرقى المباحة والتعوذ المشروع، كالفاتحة، وسورة البقرة والمعوذتين، والاستعاذات المأثورة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو غير المأثورة التي لا تتعارض مع أدب الدعاء والذكر، والله تعالى أعلى وأعلم.
المصدر: دار الإفتاء المصرية